العلامة الدکتور فضل الرحمن المدنی فی ذمة الله

مارس 27, 2021

انتقل إلى رحمة الله تعالى -قبل ساعات- بمدينة ماليغاؤن، بولاية مهاراشترا الهنديَّة: شيخُنا العلَّامة الفقيه د. فضل الرَّحمن دِين محمد المَدني، فرحمهُ الله وبلَّلَ بالنَّدى مثواه، وعوَّض الأُمةَ خيرًا؛ فإنَّ بقبضِ العلماء ذَهابَ العلم، وذهابُه مؤذِنٌ بقُرب السَّاعة!

لقد كان فقيدُنا رحمه الله من أعلامِ الهند وكُبرائها؛ تخرَّج قبل أكثر من أربعين عامًا في الجامعة الإسلاميَّة بالمدينة النبويَّة، وظلَّ فيها -عُمُرًا- يَعُلُّ من مَعينِ أساطينها ويَنهلُ، إلى أن نالَ درجة الدكتوراه، عن رسالةٍ حافلة بعنوان: «مسائل الإمام أحمد من رواية ابنه صالح» دراسة وتحقيقًا، التي طُبعت في ثلاثة مجلدات، ووُزعت في الهند والمملكة وغيرهما، كما أخبرني شيخُنا بنفسِه.

وبعد عودته إلى ديارِه انتظم في سِلك التدريس بالجامعة المحمَّدية في (ماليغاؤن)، وظلَّ كذلك إلى أن صار شيخَ الحديث فيها، ثمّ مُفتيها -وقد طُبعت فتاواه في حياته-، دعْ عنك عضويّته في مَجْمع الفقه الإسلامي بجُدّة، الذي يضمُّ أكابر الفقهاء في العالَم.

ولقد كان مصنِّفًا ومحقِّقًا، وباحثًا عظیمًا، ذا جهودٍ جبَّارة فی خدمةِ الکتاب والسُّنة، فتقبل الله جُهدَہ، وشکر سعیه وأجزل مثوبته.

ومِن طالِعِ سَعْدِي أنِّي -في حجِّ عام ١٤٣٩- تشرفتُ بلقياه في المسجد الحرام بين العشاءين، فكان -لعَمرُ الله- لقاءً ماتعًا، مزيَّنًا بالفوائد. ومما أدهشني فيه: عظيمُ تواضعه، وجميل قُربه، وأُبوّته الظاهرة؛ فجزاه الله أعالي الجَنّات.

ولمَّا أخبرتُه عن «القصيدة الحائية» للإمام ابن أبي داود، وعنايتي بها، قال لي: «الطَّلبة يحفظونها عندنا في (بنغلور)، وتُشرح لهم في دورة علميّة، سنويًّا»
فتأمل همّةَ طلبتِهم، على الرُّغم مِن حداثتهم، وأعجميَّتهم! فللَّهِ دَرُّهم.
وصدَق مَن قال: العربيُّ مَن عرَّبه اللِّسان.

ولما آذَنَ المجلسُ بالانقضاء رغبتُ إلى شيخِنا -رحمه الله- بأنْ يكتبَ لي وصيَّةً يُوصيني بها؛ فلبَّى مباشرةً، وخطَّ لي بيَراعته وصيّةً أبويّة، أوجَز فيها وأفاد.

ثم تشرَّفتُ بإهدائِه نسخةً من تحقيقي لأربعين الحمزاوي المتواترة.

إنَّ وفاۃ فقيه الهند، وشيخ الحديث بالجامعة المحمَّدية خسارۃ فادحة، يصدق فيها، قول القائل:
حَبَسَ اللِّسانَ وأَطلَقَ الدَّمعا
ناعٍ أَصَمَّ بِنَعيِكَ السَّمعا !

لَكَ مِنَّةٌ قَد طَوَّقَت عُنُقي
ما إِن أُريدُ لِطَوقِها نَزعا

ماتَ الإمامُ وكانَ لي كَنَفًا
وقَضَيتَ أنتَ وكُنتَ لي دِرعا

فرحمةُ اللهِ وبركاته على شيخنا فضل الرَّحمن، وسائر علماء الإسلام.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.

د. محمود بن محمد حمدان
غزة – فلسطين
الجمعة (١٢ شعبان ١٤٤٢)

تعليقك

رئيس التحرير

مدير التحرير

عنوان المكتب:

  • رقم التسجيل في وزارة الأعلام: ٧٧١
  • news.carekhabar@gmail.com
    بشال نجر كتمندو نيبال
Flag Counter